معارضو القانون: ينحاز إلى رجال الأعمال ويزيد تهميش العمال
في خطوة أثارت جدلًا واسعًا داخل الأوساط النقابية والعمالية، أقر البرلمان المصري مشروع قانون العمل الجديد، وذلك رغمًا عن الاعتراضات الواسعة من معارضين للقانون، اعتبروا أنه ينحاز إلى رجال الأعمال، كما أن أغلب مواده تشابه القانون القديم.
وبينما يتجاهل القانون الجديد أصوات الملايين من العمال، الذين لن ينالوا من القانون الجديد سوى مزيد من التهميش، وفقدان الأمان الوظيفي - بحسب المعارضين للقانون - تعيش الأوساط العمال أزمة اقتصادية ضخمة، وتخفيضًا للعملة؛ تسببت في تآكل أجورهم بشكل مفجع.
جاء إقرار القانون بعد سنوات من الجدل والتأجيل؛ ليضع نقطة نهاية لمسار تشريعي طويل، بدأ في أروقة الحكومة منذ عام 2017، ومرّ بمحطات متقطعة من النقاش المجتزأ، والاستماع المحدود. لكنّ هذه النهاية، التي رُوّج لها باعتبارها "نقلة نوعية في سوق العمل"، لم تأتِ محمّلة بالآمال؛ بل فجّرت موجة من القلق والغضب في أوساط النقابات، والقيادات العمالية، وعدد من البرلمانيين، الذين اعتبروا أن القانون خرج إلى النور مشوّهًا، خاليًا من أي روحٍ اجتماعية، ومفصّلًا لخدمة أصحاب الأعمال والمستثمرين، على حساب ملايين العمال.
ورغم الشعارات الرسمية عن حماية الحقوق وتعزيز الإنتاج، فإن القانون، في صيغته النهائية - بحسب منتقديه - يُعيد إنتاج نفس المنظومة التي همّشت العامل المصري لعقود؛ بل ويمنح أصحاب الأعمال أدوات قانونية جديدة، تُمكنهم من الفصل، والتعسف، وتقويض الحق في التنظيم والإضراب، وكل ذلك تحت غطاء "التنظيم والتحديث".
الأخطر - كما يرى معارضو القانون - أن تمريره جاء في توقيت بالغ الحساسية؛ حيث تواجه الطبقة العاملة المصرية أزمات اقتصادية طاحنة، وتراجعًا غير مسبوق في القوة الشرائية، وتآكلًا مستمرًا في الأجور، في ظل أوضاع معيشية خانقة، ونقابات مقيدة، وقنوات تعبير مشلولة.
القانون فشل في حماية العمال
الأمان الوظيفي: منح القانون صاحب العمل الحق في اختيار نوع العقد كونه مؤقتًا أم دائمًا؛ وهو ما يمثل مغالطة كبيرة. في حين يدعو الخبراء إلى حصر العقود المحددة المدة في الأعمال المؤقتة أو الموسمية فقط، كما أن القانون أيضًا يسمح بإنهاء عقد العمل غير محدد المدة، بشرط الإخطار الكتابي.
من جانبه، شنّ كمال عباس، منسق دار الخدمات النقابية والعمالية، هجومًا حادًا على القانون الجديد، معتبرًا إياه "فرصة مهدرة أخرى لإصلاح منظومة العمل المختلة"، ومؤكدًا أنه لم يلبّ الحد الأدنى من المطالب التي نادت بها الحركة العمالية، على مدار أكثر من عقد.
وقال عباس: "هذا القانون لم يتم صياغته لحماية العمال؛ بل لحماية أرباب الأعمال. كل سطر فيه يعبّر عن انحياز واضح لرأس المال، على حساب حقوق الطبقة العاملة، التي طالما دفعت ثمن السياسات الاقتصادية وحدها".
وأشار إلى أن أحد أخطر ما تضمنه القانون، هو الإبقاء على حالة الغموض والمرونة المفرطة في العقود المؤقتة، قائلًا: "ما زلنا أمام قانون يرسخ انعدام الأمان الوظيفي. العقود المؤقتة تنتشر بلا ضابط أو رابط، وكأننا في سوق للعمالة اليومية، لا في سوق عمل منظم يخضع للقانون والدستور".
وانتقد عباس استبعاد العمالة المنزلية من مظلة الحماية، معتبرًا ذلك "تمييزًا فجًّا" لا يتسق مع مبادئ العدالة والمساواة التي نصّ عليها الدستور المصري، والاتفاقيات الدولية التي وقعت عليها مصر. مضيفًا: "هؤلاء العاملات من أكثر الفئات هشاشة، ويواجهن انتهاكات ممنهجة دون أي حماية قانونية. استبعادهن من القانون هو رسالة بأن معاناتهن غير مرئية وغير مهمة".
كما لفت إلى ما وصفه بـ"تغول" وكالات الاستخدام، مؤكدًا أن القانون منحها مساحة أوسع من السابق للتحكم في سوق العمل دون رقيب، قائلًا: "ما يحدث الآن هو خصخصة متوحشة لسوق العمل، حيث تتحول حقوق العمال إلى سلعة في يد شركات الوساطة".
وتابع عباس نقده للقانون، قائلًا: "إن النص الحالي أعاد إنتاج معظم المواد الإشكالية الواردة في القانون القديم رقم 12 لسنة 2003، متجاهلًا بوضوح توصيات منظمة العمل الدولية؛ بل وضاربًا عرض الحائط بمبادئ الدستور المصري نفسه، الذي ينص على الحق في العمل، والكرامة، والتفاوض، والإضراب المشروع". وأضاف: "نحن أمام تشريع لا يرى العامل كإنسان؛ بل كأداة إنتاج يمكن الاستغناء عنها في أي لحظة".
وأكد أن القانون لم يخرج من رحم حوار اجتماعي حقيقي؛ بل تم تمريره بنفس الآلية التي طالما انتُقدت، قائلًا: "جرى إقصاء النقابات المستقلة، والتعامل مع العمال كمجرد طرف صامت لا يُستشار، في حين كان يجب أن يكونوا في صدارة الحوار".
كما دعا عباس إلى مراجعة شاملة للقانون، وإطلاق حوار مجتمعي واسع، يضمن مشاركة حقيقية للعمال وتنظيماتهم المستقلة، مشددًا على أن "العدالة الاجتماعية لن تتحقق بقانون كهذا؛ بل بقانون ينحاز للضعفاء، ويعيد التوازن لعلاقات العمل المختلة".
***
الإضراب: يحظر المشروع الإضراب في المنشآت الحيوية التي تقدم خدمات أساسية، أو في الظروف الاستثنائية، مع اشتراط إخطار صاحب العمل، والجهة الإدارية، قبل 10 أيام من الإضراب، بما فيها موعد إنهاء الإضراب. إلا أن هذه الشروط تعتبر تعجيزية، خاصة أن الإضرابات عادة ما تكون نتيجة مطالب ملحة، تتعلق بحياة العمال وعائلاتهم.
***
كان الدكتور أحمد البرعي، الوزير الأسبق وأستاذ القانون بجامعة القاهرة، عبر عن صدمة كبيرة إزاء تمرير القانون، واصفًا إياه بأنه "قرار كارثي من حيث التوقيت والمضمون". وأكد أن البلاد تمر بمرحلة من التوترات الاقتصادية والاجتماعية الحادة؛ ما يجعل من الضروري وجود تشريعات تدعم الاستقرار وتحمي الحقوق، لا أن تُمرر قوانين تُفاقم الاحتقان، وتقلص هوامش الأمان الوظيفي.
وقال البرعي: "تمرير قانون بهذه الصيغة، في هذا التوقيت، يفتقر إلى الحس السياسي والاجتماعي. لا توجد دولة تمر بظروف ضاغطة ثم تُصدر قانونًا يقيد العمل النقابي، ويُضيّق على العمال حقهم في التعبير والتنظيم".
وأبرز البرعي خطورة المواد التي تناولت الحق في الإضراب، معتبرًا أنها لا تنظمه؛ بل تعرقل ممارسته فعليًا، وتحوله إلى جريمة مقنّعة. وأوضح: "القانون تجاهل أن الإضراب حق أصيل، أقرته المحكمة الدستورية العليا في حكمها الصادر عام 1987، كما أكدته الاتفاقيات الدولية التي وقّعت عليها مصر. لكننا أمام نصوص تفرض شروطًا شبه تعجيزية على الإضراب؛ مما يعني أنه صار مستحيلًا قانونًا".
وشدد البرعي على أن هذا القانون لا يأتي في سياق إصلاحي؛ بل يعكس ما أسماه "نزعة تراجعية" في التعامل مع قضايا الحريات النقابية والعدالة الاجتماعية. وقال: "كان يفترض أن القانون الجديد يعالج المشكلات المتراكمة في قانون العمل القديم، خاصة مسألة الفصل التعسفي التي طالت آلاف العمال، خلال السنوات الأخيرة، لكنه للأسف تجاهل تلك الأزمات تمامًا".
كما أشار إلى أن القانون أغفل ملف الأجور العادلة، ولم يُلزم أصحاب الأعمال بأي معايير شفافة، أو آليات مراجعة دورية لمستويات الأجر مقارنة بتكاليف المعيشة، مضيفًا: "كيف نتحدث عن إصلاح سوق العمل في ظل تغييب العدالة في الأجر، واستمرار فجوة القوة التفاوضية بين أصحاب الأعمال والعمال؟".
وانتقد البرعي كذلك غياب التمثيل الحقيقي للعمال في آليات التفاوض الجماعي، مشيرًا إلى أن القانون حافظ على بنية إدارية فوقية، تُقصي النقابات المستقلة، وتُضعف من فرص بناء حركة عمالية حقيقية وقادرة على التفاوض، موضحًا: "النص الجديد لم يرسخ الحوار الاجتماعي؛ بل فرّغه من مضمونه، وأعادنا خطوات للوراء".
واختتم البرعي حديثه محذرًا من تداعيات تمرير مثل هذا القانون، دون توافق أو حوار مجتمعي حقيقي، قائلًا: "القوانين التي تمس حياة الملايين لا يمكن أن تُصاغ في غرف مغلقة. ما جرى يمثل تراجعًا عن التزاماتنا الدستورية والدولية، وسيدفع ثمنه المجتمع بأكمله، وليس العمال وحدهم".
النقابات تُدار أمنيًّا.. ولا صوت للعمال
***
الأجور: لا يوفر القانون الجديد وضع حد أدنى للأجور، وبما يضمن استقرار علاقات العمل، حيث يجب أن يغطي جميع القطاعات ويزداد سنويًّا وفقاً لمعدل التضخم. كما يتم احتساب اشتراكات التأمين ضمنه، فضلًا عن تخفيض مواد القانون للعلاوة الدورية من 7% إلى 3% بما ينتقص من حقوق العمال التي اكتسبوها عبر نضالاتهم على مدار سنوات.
***
أما كرم عبدالحليم، القيادي في نقابة نوادي هيئة قناة السويس، فعبّر عن رفضه الصريح للقانون، واصفًا إياه بأنه "تراجع خطير عن مكتسبات تاريخية حصل عليها العمال بنضالات طويلة، وخصوصًا في ما يتعلق بحرية التنظيم والعمل النقابي المستقل".
وأضاف عبدالحليم: "من غير المقبول مناقشة قانون بهذا الحجم وسط ظروف معيشية متدهورة إلى هذا الحد. الناس بالكاد قادرة على تلبية احتياجاتها الأساسية، ثم يُطرح قانون لا يحمل أي حماية حقيقية للعمال؛ بل يعمّق هشاشتهم".
وأشار إلى أن المشهد النقابي بات في حالة "شلل مقصود"، متهمًا الجهات الرسمية بإفراغ النقابات من دورها التمثيلي الحقيقي، وقال: "النقابات أصبحت تُدار أمنيًّا لا سياسيًّا أو مهنيًّا؛ حيث تُفرض إدارات، وتُقيّد الانتخابات، وتُرفض النقابات المستقلة مثل نقابتنا، التي لا تزال وزارة العمل ترفض الاعتراف بها فعليًّا، رغم استيفائها كل الشروط".
وأكد عبدالحليم أن القانون الجديد، حتى وإن تضمّن موادًا تبدو جيدة نظريًا، فإنها تظل بلا قيمة طالما أن حرية التنظيم النقابي غائبة، مشددًا: "لا يمكن الحديث عن أي قانون عمل عادل أو متوازن في ظل غياب الأساس: نقابات حرة ومستقلة تدافع عن مصالح أعضائها دون تدخل أو وصاية".
كما لفت إلى أن مشروع القانون لم يأتِ استجابة لاحتياجات العمال؛ بل جرى تمريره وفق مقاييس ترضي أصحاب الأعمال، وتقلل من كلفة التفاوض الجماعي. وأضاف: "هذا القانون لا ينحاز لمصالح العامل الذي لا يجد تأمينًا ولا أجورًا تكفيه؛ بل ينحاز لصاحب العمل الذي يريد مرونة مطلقة في التعيين والفصل".
الحكومة: قانون مواكب للعصر
***
وكالات الاستخدام: يكرس القانون الجديد لتغول عمل وكالات الاستخدام، حيث يجيز قيام شركات التوظيف بتشغيل العمال مقابل نسبة من الأجر، وتقاضي مبالغ مالية منهم، بعد التحاقهم بالعمل، بالمخالفة لاتفاقية العمل الدولية.
***
في المقابل، تؤكد الحكومة أن القانون الجديد يُعد "نقلة نوعية"؛ حيث ينظم علاقات العمل في القطاع الخاص، ويمنح مرونة لأصحاب الأعمال، مع ضمانات تحفظ حقوق العمال.
واعتبر مؤيدو القانون من النواب أنه "يواكب متطلبات السوق ويشجع الاستثمار"، مستشهدين بمواد جديدة تتعلق بالتحكيم في نزاعات العمل، وإجراءات السلامة والصحة المهنية، وتحديث آليات التفتيش.
جدير بالذكر أن الكتاب الدوري رقم 2 لسنة 2025 الصادر عن وزارة العمل، دعا إلى تحديد حد أدنى للأجور في القطاع الخاص بـ 7000 جنيه شهريًا؛ وهو ما اعتبرته الحكومة خطوة لحماية دخل العمال. إلا أن المعارضين أكدوا أن الرقم لا يكفي لتغطية تكاليف المعيشة، خاصة بعد احتساب الاستقطاعات، كما لا توجد أي آلية أو عقاب من شأنه إجبار أصحاب الأعمال على تطبيقه.
رغم تمريره، يواجه قانون العمل الجديد موجة غضب قد تعيق تطبيقه على الأرض. ففي ظل غياب التمثيل الحقيقي للعمال، والتضييق على النقابات المستقلة، وارتفاع معدلات البطالة والتضخم، يرى منتقدوه أنه سيكون "قانونًا بدون عمال"، حسب تعبير المعارضين له.
--------------------------
أسماء زيدان
من المشهد الأسبوعية